غاب ملف أقلية الإيغور ، الذين يتعرضون للاضطهاد العرقي والديني في الصين، عن نقاشات القمتين الخليجية الصينية والعربية الصينية، التي حضرها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، وقادة دول عربية وخليجية بالعاصمة السعودية، الرياض، ما أثار التساؤلات حول أسباب ودوافع هذا التجاهل.
وفي السنوات القليلة الماضية تزايد الاهتمام الدولي بمنطقة شينجيانغ، حيث تقول الولايات المتحدة إن الصين تنفذ سياسة "إبادة" بحق الإيغور وغيرهم من المسلمين الناطقين بأحد فروع اللغة التركية، وفقا لـ"فرانس برس".
ويقع إقليم شينجيانغ في غرب الصين، ويقطنه عشرة ملايين من المسلمين الإيغور، ولطالما اتهمت جماعات حقوقية وحكومات غربية بكين بـ"انتهاك حقوق الأقلية العرقية ذات الأغلبية المسلمة بإجراءات مثل العمل القسري في معسكرات اعتقال".
وتتهم منظمات حقوق الإنسان الصين بتوظيف الإيغور قسريا في مصانع مرتبطة بسلاسل إمداد دولية في مختلف القطاعات التي تتراوح من الملابس إلى السيارات.
وتم تدمير أو الإضرار بنحو 16 ألف مسجد في شينجيانغ، أو 65 في المئة من إجمالي عددها، نتيجة لسياسات الحكومة منذ عام 2017، وفقا لتقرير لمنظمة "هيومن رايتس وواتش".
تجاهل متعمد؟
يرجع الباحث في العلوم السياسية والعلاقات العربية الصينية، محمد أمين الأويغوري، السبب الرئيسي لغياب ملف الإيغور عن المناقشات مع بكين إلى "عجز دول عربية عن إدارة قضايا عادلة، وعدم الموازنة بكفاءة بين الطرف العربي ونظيره الصيني".
وفي حديثه لموقع "الحرة" يرى أن هناك دولا عربية تطمح إلى الاستفادة من مشروع "طريق الحرير" التجاري الذي به ضمت الصين أكثر من 60 دولة في صفها، ما يدفعها لتجاهل "قضية الإيغور".
واعتبر الأويغوري أن عدم تناول القضية خلال القمة العربية الصينية 2022 بمثابة "عار إنساني".
وفي سياق متصل، يرى الناشط الإيغوري المقيم في هولندا، أنوار أردم، أن السلطات السعودية تتجاهل "عمدا" الحديث عن قضية الإيغور في المناقشات مع الصين بسبب عوامل "اقتصادية وسياسية".
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، تحدث عن علاقات اقتصادية وسياسية "ضخمة" تجمع الرياض وبكين، معتبرا أن "السلطات السعودية تخشى أن تزعج الصين بالحديث عن هذا الإيغور".
ويشير إلى أن "التجاهل السعودي يؤلم الإيغور"، قائلا:" إخواننا من دين واحد باعونا للصين".
وتحدث عن وقائع عدة لـ"ترحيل السلطات السعودية لناشطين إيغور من أراضيها"، قائلا" في وقت مبكر من عام 2018، رحلت السعودية العديد من مسلمي الإيغور الذين جاؤوا للعبادة في مكة المكرمة إلى الصين".
من جانبه ينفي الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، ذلك الطرح، مؤكدا أن "التقارب السعودي الصيني سيمثل حماية وضمانة لحقوق الأقليات المسلمة في الصين" باعتبار المملكة معنية بحقوق المسلمين في كل مكان.
وتحدث آل عاتي لموقع "الحرة" عن "دعم سعودي للمسلمين في الصين بالتنسيق والتفاهم مع سلطات بكين لتسهيل وصول الحجاج للأراضي المقدسة"، مشيرا إلى أن "المملكة معنية بالتواصل مع السلطات الصينية بخصوص حقوق أقلية الإيغور".
وستكون السعودية "حريصة على إيصال صوت الإيغور خلال القمم واللقاءات والاتصالات مع الصين مع التأكيد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبكين"، وفقا لحديث آل عاتي.
وبينما تقول الأمم المتحدة إن "انتهاكات لحقوق الإنسان طالت أقلية الإيغور وغيرهم من المسلمين"، دعمت السعودية سياسات الصين في شينجيانغ، حسب "رويترز".
وفي زيارة إلى الصين، في فبراير 2019، بدا أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يؤيد سياسات الحكومة الصينية بحجج بكين "لمكافحة الإهاب والتطرف"..
وقال محمد بن سلمان حينها "نحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي"، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الرسمية الصينية "شينخوا".
وأيدت السعودية رسائل مشتركة إلى "الأمم المتحدة" لدعم سياسات الصين في شينجيانغ في 2019، ومرة أخرى في 2020، وفقا لتقرير سابق لموقع "ذا ديبلومات".
وعن ذلك يقول آل عاتي إن "السعودية تقدر القرار السيادي الصيني ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لبكين"، مؤكدا أن "المسلمين مثلهم مثل بقية الأقليات في الداخل الصيني سيحصلون على حقوقهم بشكل تلقائي".
ويعتقد آل عاتي أن "التفاهمات والتواصل السياسي بين السعودية والصين من شأنه أن يحدث تقاربا وتفاهمات للدفاع عن حقوق المسلمين في الصين وهو ما سيتم تباعا".
إدانات غربية وصمت "عربي"
وفي تصريحات، الجمعة، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إنه عازم على التحدث مع الصين حول نتائج تقرير صادر عن المفوضة السابقة يفيد بأن معاملة الصين للإيغور والمسلمين الآخرين في إقليم شينجيانغ "ربما تشكل جرائم ضد الإنسانية"، وفقا لـ"رويترز".
وفي أول تصريحات علنية له بهذا الشأن منذ توليه المنصب، قال تورك للصحفيين في إفادة بجنيف: "التقرير الصادر يوم 31 أغسطس مهم جدا ويوضح مخاوف خطيرة للغاية حول حقوق الإنسان".
وأردف "سأواصل شخصيا التواصل مع السلطات. كلي إصرار على ذلك"، مضيفا أن "الأمل ما زال موجودا".
وفي نهاية أغسطس، خلص تقرير طال انتظاره من قبل مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان حول ما تشير إليه الصين باسم منطقة "شينجيانغ الإيغورية"، إلى ارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" ضد الإيغور ذات الأغلبية المسلمة، وفقا لـ"الأمم المتحدة".
وتحدث التقرير عن إمكانية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الأقليات في شينجيانغ، وفي المقام الأول ضد الإيغور، مستحضرا "أدلة موثوقة" على التعذيب والعنف الجنسي.
وفي أكتوبر، تمكنت الصين من تجنب مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عندما رفضت غالبية الدول الأعضاء الـ47 إجراء نقاش طالبت به الولايات المتحدة وحوالي عشر دول أخرى، حسب "فرانس برس".
وفي مطلع نوفمبر، نددت 50 دولة أمام لجنة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بانتهاكات "خطيرة ومنهجية" لحقوق الإنسان في شينجيانغ داعية الصين إلى الإفراج عن "جميع الأفراد المحرومين تعسفيا من حريتهم" في هذه المنطقة.
وقالت هذه الدول في نص تلته كندا خلال جلسة للجنة الثالثة للجمعية العامة المختصة بحقوق الإنسان، "نشعر بقلق بالغ إزاء وضع حقوق الإنسان في الصين، خصوصاً انتهاكات حقوق الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى في شينجيانغ".
وقالت الدول الخمسين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا وأستراليا وإسرائيل وتركيا وغواتيمالا وأيضا الصومال، إن "مثل هذه الانتهاكات الخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان لا يمكن تبريرها على أساس مكافحة الإرهاب".
ودعت هذه الدول بكين إلى "تنفيذ توصيات" المفوضية العليا، والتي تشمل "اتخاذ تدابير فورية للإفراج عن كل الأفراد المحرومين تعسفيا من حريّتهم في شينجيانغ والإسراع في الكشف عن مصير" الأشخاص المفقودين.
وأضافوا أنه بالنظر إلى "خطورة" التقرير، "نشعر بالقلق من أن الصين ترفض حتى الآن مناقشة النتائج التي توصل إليها"، وفقا لـ"فرانس برس".
لماذا الصمت؟
يتحدث أنوار أردم عن تجاهل عدة دول عربية وإسلامية لـ "إدانة انتهاكات السلطات الصينية ضد الإيغور"، مرجعا ذلك إلى "قوة اقتصاد الصين".
ويرى أردم أن بعض حكومات الدول العربية تجتمع مع الصين في كونها "ديكتاتورية" وتتجاهل حقوق الإنسان والحريات الأساسية، على حد قوله.
ويرى الأويغوري أن "بعض الدول العربية لا تفكر سوى في جلب استثمارات الصين في هذه المنطقة، مضيفا أن "المصالح الاقتصادية تجمع الجانبين".
لكن آل عاتي يؤكد أن "القيادة السعودية أخذت على عاتقها إيصال صوت المسلمين في الصين عموما وليس أقلية معينة".
وبحسب آل عاتي فإن هناك "عملية استقطاب من قبل تنظيمات معادية للمملكة، وتحاول الإساءة للعلاقات بين الرياض وبكين وتشويه صورة السعودية وشيطنتها".